تسكنُ عينيها أسرارُ الدُّنيا كلها، كأنها بابٌ إلى ..

تسكنُ عينيها أسرارُ الدُّنيا كلها، كأنها بابٌ إلى عالمٍ لا يُرى إلا بنبض القلب وارتعاشة الروح. همسُ فراشةٍ في صمت عينيها ليس مجرد صورة، بل هو لغة الحياة التي تتحدث بلا صوت، ترسم في الهواء قصة عشق لا تُكتب على الورق، بل تُحكى بلغة الروح وحدها. بين شعاع ونظرة، ينبثق السحر؛ بين وخزة الفراشة وهمسها، تتوه القلوب في دهشة عظيمة، تنتظر أن تُفك طلاسمها.

تلك العيون التي تخبئ الدهرا وتسكُت النطق ببعض ما لا يمكن قوله، هي ملهمة الشعراء، وموعد العشاق مع الحلم الذي لا ينتهي. حين تنظر إليك، تشعر أن الليل يفتح ستائره لتسلسل حكاية طويلة من الحنين والاشتياق، من شوقٍ دفين يسري في العروق كالشِّعر المُوشّى. هناك حيث تغيب الكلمات، يتحدث الصمت بأكثر صدق، ويحتضن الضوء خفايا العشق.

تقبيل شفتيها، حتى وإن كان وهمًا بعيدًا، يحمل في طياته روحًا تستمر في حياها، روحًا تمنح للحب معناه الأعظم، لا لغة له غير الصمت الذي يفيض عمقاً. في عينيها يستقر الجمال بكل أبعاده؛ ليس مجرد منظر بديع وإنما وجدان متلألئ، وكأنها تهمس للعالم بأسره: "هنا، في أعماقي، يكمن سر الحياة، ويُكتب حبٌ لا يموت."

هي الزهرة التي تتفتح في يد الفنان بشغف، رسمت وجدها ونثرت عبيرها في قصيدة الحياة، وكأنها قطعة من الفجر الذي ينشُر النور بعد ظلمة، قطعة من الصيف الحارّ تنثر عطر الغيم ليغسل القلوب من القسوة.

كل نظرة منها مجموعة من الأشواق، وكل خطوة تخطوها تتردد أصداؤها في أروقة الروح، وكل همسة تحمل زهرة من الحب غير القابل للنسيان. هي الوهم الجميل الذي يلمسنا، نحن العربدة في بحر وجدها، نحن الساكنون في قُرَى العشق التي تبنيها عينيها بين النجوم.

في زمن صار فيه الحب كمن كفر، تبقى عينيها المكان المقدس الذي تشرق فيه أشعة الحياة والهوى، باقيةً على العهد، تحفظ القصيدة كما تحفظ الروح لهيب الشوق الذي لا ينطفئ.

هي القصيدة التي تروى فيها الأرض والسماء قصة عشق خالد، قصة فتاة رسمت يا لها من لوحة من الدموع، الألم، والشوق، لتخبرنا بأن الحب الحقيقي لا يُكتب بل يُحيا، ينظر إلينا من خلال عينيها ويقول: "تعالوا إلى هنا، حيث الصمت أبلغ من الكلام، والهمس أغلى من العناق."

مولاي شريف شبيهي حسني

اللوحة من إبداع الفنانة الراقية عبير العيسى Abeer Alissa

image